من منا لا يفكر أحيانا بنوع الطعام الذي يأكله؟ صحيح أنا نضيق ذرعا بالطعام بين الحين والآخر، ولكن هذا ما يحدث نتيجة مبالغتنا نحن… نبالغ في النوعية كما يقال. لكل منا حاجاته الغذائية المحددة. ويعود لنا الأمر في تحديد ما نتناوله من توازن في الغذاء.
نقوم يوميا بتمويل أجسادنا بما تحتاجه من طاقة وغذاء كي تعمل.
أجسادنا تنمو، وتتسع وتتجدد يوميا، كما عليها أن تجهز نفسها لمواجهة كل أنواع الاعتداءات. كي تتمكن من القيام بكل هذه الوظائف كاملة، لا بد من تعزيزها بنظام غذاء متوازن جدا.
يعتبر ما نتناوله من أطعمة ومن مواد طبيعية بشكل عام، ذو تركيبات معقده. تتولى عملية الهضم تحويل هذه المركبات إلى أغذية، أي إلى جزيئات يمكن للخلايا أن تمتصها مباشرة. وتتألف هذه المغذيات من البروتين، والنشويات، والدهون.
يعتبر البروتين مركب رئيسي لكل الخلايا الحية. فهي تحتوي على مواد كثيرة منها الهرمونات والأنزيمات، تكمن وظيفتها في بناء وصيانة وإصلاح أنسجة الجسم.
البروتين هو مركب من جزيئات النتروجين العضوية المؤلفة من سلاسل من الحامض الأميني. تعتبر بعض هذه الحوامض الأمينية أساسية لدرجة أن جسم الإنسان لا يستطيع تركيبها وبالتالي لا بد أن تشكل جزءا من أطعمتنا.
الأغذية أخرى مثل النشويات، كما والسكريات أيضا، هي المصدر الرئيسي للطاقة في أجسادنا، إنها افضل وقود يمكن أن تعمل من خلاله عضلاتنا. إذ يمكن امتصاصها بسرعة لتتحول فورا إلى طاقه.
هناك نوعين من السكريات، تلك البسيطة منها كحال الغلوكوز الذي يستهلك بسرعة، النوع الآخر مركب كالنشويات، ويتم هضمه ببطئ.
الدهون أو الشحم هو الجزء الأهم بالنسبة لغذاء العضو الحي لأهميته كمصدر للطاقة. تتشكل الشحوم من حامض دهني يتعاون مع البروتين والنشويات في تشكيل المادة الهيكلية الرئيسية للخلايا الحية. هناك نوعين من الدهون، أحدها موجود في الأطعمة المشتقة من الحيوانات، والآخر موجود في الأطعمة المشتقة من النباتات. يمكن تقسيم الأطعمة إلى خمس مجموعات رئيسية تمولنا بالدهون والنشويات والبروتين. ومنها نستخلص أيضا الفيتامين والمعادن والألياف.
التناسق بين مجموعات الأطعمة الخمس الرئيسية يمول أجسادنا بكل العناصر اللازمة للعمل في أقصى إمكاناتها.
تعتمد أول مجموعة على الحليب ومشتقاته. وهي تحتوي على نسبة عالية من البروتين والكالسيوم.
يمكن أن يحل اللحم والسمك والبيض محل مشتقات الحليب إلى حد ما لاحتوائه على نسبة عالية من البروتين. فنصف لتر من الحليب مثلا يساوي بيضتين، أو مائة غرام من اللحم أو السمك.
ينصح بتناول مشتقات الحليب مع كل وجبه، على شكل حليب أو جبنة أو لبن.
مجموعة الأطعمة الأخرى تتضمن اللحم والسمك والبيض الذي هو مصدر آخر للبروتين. نذكر أن هذه الأطعمة هي مصدر الحديد الذي يمكن للجسم أن يمتصه بسهوله.
مصادر الدهون هنا متنوعة. فالأسماك غير دهنية ، ولحوم الدجاج الأبيض، والكبد، كلها تحتوي على اقل من خمسة بالمائة من الدهون، بينما يحتوي لحم التونة، أو السجق، على عشرين بالمائة منه.
لا بد من تناول اللحم أو السمك أو البيض ولو لمرة في اليوم على الأقل. وليس من الضروري تناوله مرتين في اليوم.
أطعمة المجموعة الثالثة، كالخضار والفاكهة، تحوي نسبة عالية من الماء، بما يتراوح بين خمسة وسبعين وتسعين بالمائة من وزنها. الطاقة التي عادة ما تكون منخفضة فيها، تعتمد على نسبة السكر هناك.
تتشكل الخضار والفاكهة من ألياف تنضح بالماء في الأمعاء. تسرع هذه الألياف من حركة الأمعاء وتحول دون حالات الإمساك. يحتوي الخضار والفاكهة على عدد من المعادن. كما أنه المصدر الرئيس لفيتامين جيم، والكاروتين.
من المفيد أن نتناول يوميا بعض الخضار الطازج، كالسلطات والفاكهة، كما وطبق من الخضار الطازج أو المطبوخ أو المعلب أو المثلج أيضا.
تتألف المجموعة الرابعة من تنوع كبير من الأطعمة. جميعها يتألف من المركبات النشوية والألياف. وهي تتضمن الحبوب والخبز والبطاطا. وهي تنضح بالطاقة مع أنها تهضم ببطئ. نذكر هنا أن بعض الحبوب كالعدس والفصولياء، تعتبر مصدرا هاما للبرروتينات.
ينصح بتناول بعض البطاطا أو المعكرونة أو الرز أو الحبوب والخبز مع كل وجبة طعام يومية.
تعتمد المجموعة الخامسة على الدهون، وهي تحتوي على نسبة عالية من الطاقة، عادة ما تعتمد نسبة الدهون على نوع الطعام، فنسبة الدهون في الكريم هي ثلاثين بالمائة، وفي الزبدة فهي اثنين وثمانين بالمائة، أما في الزيت فهي مائة بالمائة. تعتبر الدهون هامة كمصدر لحوامض الدهون والفيتامينات.
كي نبقي نسبة الدهون قليلة، يجب أن نتحاشى تناول طبقين من الدهون في يوم واحد. كاللحوم المجففة، والصلصة المركزة والأطعمة المقلية أوالحلويات.
بتناول بعض من مجموعات الأطعمة الخمسة في وجباتنا الثلاثة كل يوم نضمن أن تحصل أجسامنا على التنوع، والتوازن الغذائي الذي نحتاج إليه.
اعتقد مسئولي الصحة في البلدان الصناعية حتى وقت قريب أن لدى مواطنيهم ما يكفي من طعام لتلبية احتياجاتهم الغذائية. ولكنهم كانوا مخطئين، فقد أثبتت دراسات علمية حديثة أن البلدان الأشد ثراء تعاني من عجز غذائي، في الفيتامينات على الأقل.
الفيتامينات هي مواد عضوية ضرورية بكميات صغيرة للنمو الطبيعي ولنشاطية أجسامنا. لا تقوم أجسامنا بتركيبها، لهذا علينا الحصول عليها من الأطعمة التي نتناولها.
تلعب الفيتامينات دورا هاما في ردود الفعل العضوية الجارية في كل خلية بالجسم. فهي منشطة أو محفزة لتحويل النشويات والدهون التي نستهلكها فتسهل استخراج واستخدام الطاقة التي فيها.
لا يمكن لأجسامنا بدونها أن تستفيد من الطاقة المركبة التي في أغذيتنا. أضف إلى ذلك أن الفيتامينات تساعد على التخلص الجذريات الحرة. عادة ما تؤدي عملية تحول الأغذية إلى إنتاج جزيئات الأكسجين وتنشيطه باستمرار، وخصوصا من الأكسجين الذي نتنفس.
تقوم الجذريات الحرة بمهاجمة بنيات أساسيه، كما هو حال الDNA.
كما أنها تهاجم البروتين، والدهون، والخلايا العضوية. لدى الخلايا ردة فعل معقدة لتدافع عن نفسها بمواجهة مشتقات الأكسجين النشطة هذه.
فهي أولا، تعتمد على الفيتامينات، لمفعولها المضاد للأكسدة. حتى أن النقص في الفيتامينات يمكن أن يكون على صلة ببعض حالات الأورام الخبيثة وأمراض القلب.
يمكن تصنيف الفيتامينات ضمن مجموعتين، أحدها يتحلل بالماء، والآخر في الدهون.
الفيتامينات التي تتحلل بالماء تتضمن مركب الفيتامين بي ومجموعته كما والفيتامين سي.
يتواجد مركب الفيتامين بي في غالبية أنواع الأطعمة وخصوصا في الكبد واللحوم والبيض. يلعب الفيتامين بي دورا هاما في عملية تحويل الدهون والنشويات والبروتينات.
يزيد الفيتامين جيم من قدرة أجسامنا على مقاومة الالتهابات والتعب. كما يلعب دورا هاما في عمليات تحول العديد من الأنسجة، والخلايا والهرمونات.
يكثر الفيتامين جيم في الفاكهة وخصوصا في الحمضيات، كما وفي الخضار النيئة.
ينتج فيتامين دال في الطبقات السفلى للجلد عبر أشعة ما فوق البنفسجية. ولكن ربما كان هذا المصدر غير كاف لهذا علينا زيادة استهلاك كمية السمك الدهني ومشتقات الحليب وصفار البيض والكبد.
فيتامين E هو مضاد حيوي للأكسدة، يقوم بمكافحة جزيئات الأكسجين النشطة كما يحفظ ويعزز نشاطية الأكسجين. بالإضافة إلى أنه يحمي الخلايا العضوية ويزيد من عمر الكريات الحمر.
يتواجد الفيتامين فيتامين ح في الزيت النباتي وفي اللوز والمكسرات والخضار وفي البيض والحليب والزبدة. يعتبر فيتار فيتامين كاف بالغ الأهمية لتخثر الدم. وهو يتواجد في أطعمة كالكبد، والخضار، كما أن البكتيريا المعوية تنتجه أيضا.
تعتبر الفيتامينات جميعا مركبات ضعيفة، كما أنها حساسة جدا أمام الضوء والحرارة. ومن السهل أن تفقدها الأطعمة بسهولة خصوصا نتيجة المعاملة التي تتلقاها، فعادة ما تضيع الفيتامينات التي تتحلل بالماء أثناء غسل الخضار أو طبخه.
يجب أن يتم غسل الخضار والفاكهة بسرعة. وافضل طريقة لطبخه هي بأن يوضع في ماء يغلي، ما يشل الإنزيمات التي تستنزف الفيتامينات. كما يجب أن نتحاشى الطهي المبالغ فيه أو تسخين الطعام باستمرار.
كان النقص في الفيتامينات مسؤولا عن الأوبئة التاريخية، التي لم تعد موجودة في البلدان الصناعية. مع أن النقص في الفيتامينات مستمر لدى بعض الفئات من الناس، خصوصا بين الأطفال منهم والطاعنين في السن. عادة ما يميل الأطفال لتناول الأطعمة الخفيفة، بينما يعاني الكبار من مشاكل في الهضم.
تنص القاعدة على أن الوجبات المتوازنة ستمنح الجسم كل ما يحتاجه من فيتامينات.
الملامح الرشيقة والعضلات الحديدية هو التمتع بالشباب الدائم. يجب أن يؤثر كل هذا على أسلوبنا في الطعام. إلا أن الحافز الأكبر يجب أن يكمن في صحتنا.
يحافظ غالبية الراشدين على نفس الوزن طوال حياتهم. لأنهم يقيمون توازنا بين الأطعمة المستهلكة وما يصرفونه من طاقه. الحمية هي المعدل الرئيسي لتوازن الطاقة لهذا من الأفضل أن نتحكم بها بحذر شديد.
يعتمد الحفاظ على حمية مناسبة عدة عناصر هامة تبقى على صلة مباشرة بإحساس الجوع من جهة كما أنها على صلة بالحوافز الخارجة من جهة أخرى، لأنها تثير عادة الرغبة في الأكل.
المهاد، في جهاز الأعصاب هو منطقة صغيرة عند اسفل الدماغ تلعب دورا هاما في التحكم بالشهية، ويتحكم بشعورنا في الجوع والشبع، كما يتحكم بكثافة المتعة أو عدم المتعة في تناول أطعمة محدده.
ينشغل كمُّ كبير من الهرمونات أيضا في عملية التحكم هذه.
من وجهة النظر الفيسيولوجية ترسل السكريات في الدم إشارة الجوع التي يوحي بها المهاد. هذه الإشارة الداخلية على صلة بحوافز خارجية تتوافق مع إحساس المتعة الذي له صلة بشكل وطعم ورائحة الأكل.
يكمن التجاوب الطبيعي تجاه هذا النوع من الأحاسيس بتناول الطعام. الإحساس بالشبع يحدد حجم الوجبة ومتى يجب أن تنتهي. وهي تظهر حتى قبل أن يتم هضم الطعام.
يترافق إحساس الشبع بالوقت نفسه مع عملية إنتاج داخلية للأنسولين. الأنسولين هو هرمون يساعد على التحكم بالسكريات كما يلعب دور التعود على ما نتناوله يوميا من طعام. يعتبر الحفاظ على وزن مستقر للجسم دون التأثير سلبا على احتياطي الدهون، نتيجة برنامج متوازن للطاقة في الجسم.
على المرء أن يعدل حاجته للطاقة بناءا على تركيبته الشخصية ومستوى نشاطه الفيزيائي.
إذا زاد استهلاكنا عما نحتاجه، يتم تخزين الفائض، على شكل دهون، أما إن لم يكن غذاؤنا كافيا بالمقابل يلجأ الجسم إلى تحويل احتياطه فنفقد الوزن.
يستهلك الجسم ما لديه من طاقة بثلاثة سبل رئيسية، يتعلق أول نوع منها بعملية التحول الأساسية. أنه الحد الأدنى من الطاقة التي يحتاجها الجسم للاستمرار على قيد الحياة أثناء استراحته.
تستهلك هذه الطاقة في خفقان القلب، والتنفس والهضم، ونشاطات الخلايا. بالنسبة لرجل يزن سبعين كيلوغراما، يقدر معدل حاجته من الطاقة اولية بألف وسبعمائة كيلو وحدة حرارية على مدى أربع وعشرين ساعة. هذا ما يمثل خمسة وستين بالمائة من الطاقة المستوعبة.
النوع الثاني من الطاقة المستهلكة على صلة في التحكم بدرجة حرارة الجسم التي تتدخل حين نتعرض للبرد، أو ننتهي من تناول الطعام. تستهلك عملية هضم وتحويل وتخزين المواد الغذائية خلال الوجبات المتوازنة ما نسبته اثني عشر بالمائة من الطاقة المستوعبة.
النوع الثالث من الطاقة المستهلكة يعتمد على نوع النشاط الفيزيائي، الذي يختلف من شخص إلى آخر وهو يؤثر بما يتراوح بين خمسة عشر وعشرين بالمائة من مجموع الطاقة المستوعبة. وقد تدنت هذه النسبة في العقد الأخير نتيجة تدني الأعمال الجسدية لدى البشر.
هناك آلية أخرى لها صلة بتوازن وجباتنا وهي الحفاظ على كمية مخزون دهني دائم على مدار أربعة وعشرين ساعة.
أثناء النهار يزداد احتياطنا من الدهون نتيجة تركيب الدهون وعملية التخزين. أما خلال الليل فيستهلك الجسم من الدهون كمصدر للطاقة. وهكذا يتأرجح التوازن بين هاتين المرحلتين لينجم عن ذلك استقرار في مستوى احتياطي الدهون.
تأتي المتغيرات في أساليب الحياة بتغيير أساليب الطعام، إذ أدخلت المجتمعات الحديثة مقاييس غذائية جديده يمكنها أن تكون ضارة جدا بجسم الإنسان.
متناولي الوجبات السريعة يأكلون دون انتباه إلى كمية الطعام التي يتناولونها، وكثيرا ما يتناسون وجباتهم، ما يؤثر سلبا على نظام الشهية الثابت لديهم.
بينما يميل غيرهم لرغبة لا تكبح في تناول الحلويات ما يزيد من كمية السعرات التي يمكن أن يحصل عليها المرء بنسبة الثلث. في البلدان المتقدمة حيث لا يوجد نقص في الأطعمة، تكمن المشكلة الغذائية الأولى بزيادة الوزن.
تدعونا وسائل الإعلام والمجتمع للحفاظ على جسم نحيل على اعتبار أن الجسم النحيل هو الشكل الوحيد الذي يمكن تقبله في المجتمع. هذا ما يجعل البعض يعتمد على حمية قاسية بل وأحيانا ما تكون بالغة الخطورة على الجسم. لا شك أن هناك صلة كبيرة بين اهتمام الصحافة البالغ في الأجسام النحيلة وبعض أمراض عدم التوازن الغذائي، كما هو حال الأنوركسيا والبوليميا.
في حين تعتبر الوجبات المتوازنة هامة بالنسبة لجسم صحيح يمكن أن يكون التفاعل الاجتماعي وتقاسم الأغذية مع الآخرين مسألة هامة بالنسبة للعقل الصحيح.
هل تعرف أننا أثناء سن الرشد من حياتنا فقط نستهلك 52 طنا من الأطعمة؟ ونشرب خمسة وثلاثين مترا مكعبا من الماء؟ علما أن المتغيرات في أجسامنا لا تزيد عن عشرة أو خمسة عشر كيلو غرامات.
لا بد أن نحمد الله لهذه القدرة على استهلاك الأغذية، وصرف الطاقة، ولا بد أيضا من دعم الحمد والشكر بالتعود على أساليب غذائية أكثر صحية.